مشكلة الفرق القائم بين وصفية اللسانيات و معيارية النحو العربي:
"من أخطر ما عاق ازدهار الوعي اللساني في أوساطنا العلمية معركة الوصفية والمعيارية في المعرفة اللغوية , بل على وجه التحديد ما لابسهما من خلط منهجي و تحريف مبدئي تولدت عنهما مجموعة من المشاكل الزائفة أربكت دعاة المعيارية وأرهقة أنصار الو صفية فاستنزفت طاقت من هؤلاء و أولئك وقد ساهم في خلق عقدة الإشكال كل من اللسانيين دعاة الوصفية , وفقهاء اللغة دعاة المعيارية فلا أنصف العربية من ظنوا أنهم حراسها ولا خدم اللسانيات من انبروا روادا لها" .
ما يتوجب علينا في هذا الموضع هو محاولة فهمنا لهذه المشكلة من خلال طرحنا لمنهجيتي البحث في اللسانيات الوصفية وعلم النحو المعياري , ودراستنا لكيفية تعاملهما مع اللغة المدروسة خاصة وأنٌ منهجية اللسانيات كانت من أهم النقاط التي وجٌهت لها اتهامات عديدة من طرف بعض علماء اللغة بخصوص خطرها على النحو العربي.
تقوم منهجية اللسانيات على الاعتماد على المنهج الوصفي ( descriptive) , من خلال دراستها للغة باعتبارها ظاهرة إنسانية, فهي تأتي إلى اللغات البشرية كلٌها تفككها و تحللها إلى قطع دلالية,من خلال البحث عن القوانين التي تتحكم في ربط الوحدات الدلالية بعضها ببعض و كيفية تشكل البنية الداخلية لأيٌة لغة ما محاولة بذلك معرفة كيفية توزعها في النظام العام لتلك اللغة وثم تنتقل لدراسة لغة أخرى بنفس المنهجية المتبعة سالفا , وهكذا دواليك .
ومن خلال هذه الدراسات التي يجريها على لغات مختلفة تتكون عند اللساني عدة أنظمة حول الظاهرة اللغوية , منتقلا بهذا إلى محاولة الكشف عن الخصائص التي تشترك فيها هذه اللغات المختلفة وتفسيرها في إطار أعم , وذلك من اجل إيجاد لغة عالمية يشترك فيها جميع البشر من خلال اكتشاف المبادئ العامة( General principles (التي تربط لغة ما بأخرى .
أما بالنسبة لمنهجية البحث في النحو العربي " فيجمع اللسانيون اليوم على أنٌ هذا العلم علم معياري ؛أي أنٌه يبحث في جوانب الصواب والخطأ في استعمال المفردات من حيث الدلالة والبنية , لا مجرد علم وصفي يصف المفردات اللغوية في ذاتها دون البحث عن الصواب و الخطأ في الاستعمال "
فالنحو إضافة عن اختباريته و تقصيه سبل الحصر والوصف و الشمول فهو تقريري تقنيني في إصداره للأحكام بشأن الاستعمال اللغوي , فالنحوي يعمل جاهدا إلى اكتشاف الأساليب و التراكيب اللغوية السليمة من جميع الأخطاء على اختلافها ( النحوية,اللغوية, الإملائية , الصرفية , وحتى الدلالية ) من أجل تصحيحها و إبداء رأيه فيها , أما اللساني فيحاول فقط ضبط نواميس الظواهر اللغوية على اختلاف مستوياتها ,و لكن دون إبداء رأيه فيها سواء كانت تلك الظاهرة اللغوية صائبة أم خاطئة .